تحول الطاقة في المملكة العربية السعودية

مملكة الطاقة


تصدرت المملكة العربية السعودية أخبار البيئة والطاقة في الأشهر القليلة، الماضية حيث تشهد المملكة تغييرات كبيرة. فمنذ عام 1933م، عندما تم اكتشاف النفط لأول مرة في المملكة العربية السعودية، كان يُنظر إلى المملكة على أنها مملكة النفط، وكانت المملكة دائمًا في مقدمة الأخبار كلما تم التطرق إلى موضوع النفط لكونها أكبر منتج للنفط في العالم لفترة طويلة.

ولكن التغيير الكبير الذي نشهده هو الخطوات الجريئة التي اتخذتها المملكة، لا سيما عند النظر في الإصلاحات الجذرية التي أُدخلت كجزء من رؤية المملكة 2030 والمبادرات الخاصة بالطاقة التي تقوم عليها وزارة الطاقة. وبناء على ذلك، لم يعد يُنظر إلى المملكة على أنها مملكة للنفط فحسب، بل كمملكة للطاقة أيضًا. فبصفتها منتجًا عالميًا للنفط، تلعب المملكة دورًا مهمًا في توفير الطاقة للاقتصاد العالمي بطريقة موثوقة وآمنة. وفي الوقت نفسه، تدرك المملكة مسؤوليتها في مكافحة تغير المناخ ودورها في الحياد الصفري للكربون. وإدراكًا من المملكة للحاجة إلى تخفيف أزمة المناخ، تعمل المملكة حاليًا على هندسة حلول طاقة مبتكرة لتصبح رائدة دوليًا في معالجة أزمة الطاقة (عن طريق توفير الطاقة بطريقة آمنة وميسورة التكلفة ومستدامة).

ولأن للمملكة دور طويل الأمد في عالم الطاقة، فإنها تلعب دورًا مهمًا في عالم التجارة الدولية والعالمية، مما يمنح المملكة ميزة يمكن لها الاستفادة منها أثناء عملية التحول إلى مصادر جديدة للطاقة. وتوضح الخطط الجريئة الموضحة أدناه التزام المملكة بتحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح أكبر منتج للطاقة؛ ليس للنفط فحسب، ولكن أيضًا للغاز والطاقة المتجددة والهيدروجين والاقتصاد الدائري للكربون ككل، وأن تلعب في الوقت ذاته دورًا مهمًا في مكافحة تغير المناخ في الداخل والخارج.

مبادرة السعودية الخضراء وقمة غلاسكو (كوب-26)


في أكتوبر 2021م، عقدت السعودية مؤتمرها البيئي الإقليمي، باسم مؤتمر مبادرة السعودية الخضراء. وتشرف المبادرة على جميع أعمال المملكة لمكافحة تغير المناخ. وكهدف جريء لهذه المبادرة، أعلنت المملكة العربية السعودية في مؤتمر مبادرة السعودية الخضراء عن هدف الوصول للحياد الصفري لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2060م.

كذلك تم الإعلان عن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بالتزامن مع مبادرة السعودية الخضراء ليصبح لجهود المبادرة صدى وتأثير على المستوى الدولي، وذلك بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي، ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ودول أخرى.

وتجمع المبادرة بين برامج لحماية البيئة وتحول الطاقة والاستدامة للوصول إلى ثلاثة أهداف: 1) تقليل انبعاثات الكربون بأكثر من 4٪ من المساهمات العالمية، 2) زراعة 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، و 3) رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30٪ من إجمالي المساحات البرية والبحرية.

وإدراكًا من المملكة لصعوبة الوصول إلى صافي انبعاثات صفري، تضع المملكة العربية السعودية إطار الاقتصاد الدائري للكربون في صميم استراتيجيتها الخاصة بتغير المناخ. وقد شكل الاقتصاد الدائري للكربون جزءًا أساسيًا خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين في عام 2020م وصادق عليه قادة مجموعة العشرين. ويمكّن الاقتصاد الدائري للكربون الدول المختلفة من إدارة انبعاثات الكربون الخاصة بها بطريقتها الخاصة، وبالسرعة التي تناسبها، مع مراعاة ظروفها الاقتصادية والاجتماعية الوطنية. ويعتمد الاقتصاد الدائري للكربون على أربع ركائز: خفض انبعاثات الكربون، وإعادة استخدامها، وتدويرها، وإزالتها من البيئة.

وبالفعل، فإن المملكة قد بدأت التحول للاقتصاد الدائري للكربون. وقام مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) بتطوير مؤشر الاقتصاد الدائري للكربون، والذي تم الكشف عنه للمشاركين في قمة المناخ في غلاسكو (كوب-26). والغرض من هذا المؤشر هو تقديم مقاييس عامة يمكن تطبيقها على الدول المختلفة وقياس التقدم التدريجي لهذه الدول. وقد شاركت المملكة في قمة المناخ(كوب-26) في غلاسكو وأكدت حرصها على الحماية ضد التغير المناخي وحماية البيئة وتحول الطاقة.

تقنيات احتجاز الكربون وخفضه


تُعد المملكة العربية السعودية من أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي في العالم ومن أقلها تكلفة وانبعاثات لغاز ثاني أكسيد الكربون في عملية إنتاج النفط على مستوى العالم. وقد طورت المملكة تقنيات مبتكرة وفعالة واقتصادية لإدارة الكربون، مع التركيز على احتجاز ثاني أكسيد الكربون وعزله، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وكفاءة الطاقة.

قدمت المملكة تطوراتها في تقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون واستخدامه وتخزينه، وأزالت 200 مليون طن من انبعاثات الكربون من البيئة من خلال استراتيجية "الخفض، وإعادة الاستخدام، والتدوير، والإزالة." وفي حين أن مستويات حرق الغاز في محطات الغاز في المملكة تُعد الأقل في العالم (أقل من 1٪)، فإن المملكة تخطط للتخلص تمامًا من حرق الغاز بحلول عام 2030م.

الطاقة المتجددة


يهدف البرنامج الوطني للطاقة المتجددة إلى زيادة حصة إنتاج الطاقة المتجددة بشكل كبير، حيث تخطط المملكة أن تصل مساهمة الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي في مزيج الطاقة الوطني الإجمالي إلى 50٪ بحلول عام 2030م. وتستهدف المملكة كذلك إيقاف حرق النفط لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2030م، والوصول إلى أن يكون تشغيل نصف الشبكة الكهربائية عبر الغاز والنصف الآخر عبر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما تهدف المملكة إلى إنتاج 27.3 جيجا واط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2024م والوصول إلى 58.7 جيجا واط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030م.

وقد أصدر مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة التابع لوزارة الطاقة طلبات تقديم العروض (ثلاث جولات حتى الآن) لتطوير 30٪ من الهدف المراد الوصول له بحلول عام 2030م.

  • كانت الجولة الأولى من مشاريع الطاقة المتجددة في عام 2017م. وشملت مشروع سكاكا (300 ميجاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، متصلة الآن بشبكة الكهرباء الوطنية) ومشروع دومة الجندل (400 ميجاوات من طاقة الرياح، قيد الإنشاء حاليًا، ومن المتوقع أن يتم تشغيلها تجاريًا في عام 2022م).
  • وكانت الجولة الثانية في عام 2019م، وتضمنت ستة مشاريع للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 1470 ميجا واط. تم تقسيم المشاريع إلى فئتين: الفئة (أ)، والتي تستهدف الشركات الصغيرة، وتشمل مشروع رفحاء (20 ميجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية) والمدينة المنورة (50 ميجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية). وتشمل الفئة (ب) مشروع القريات (200 ميجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية) ومشروع رابغ (300 ميجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية) ومشروع جنوب جدة (300 ميجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية) ومشروع الفيصلية (600 ميجاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية).
  • وكانت الجولة الثالثة في عام 2020م. وتم تقسيم المشاريع إلى فئتين. تشمل الفئة (أ) مشروع ليلى (80 ميجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية) ومشروع وادي الدواسر (120 ميجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية). وتشمل الفئة (ب) مشروع سعد (300 ميجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية) والرس (700 ميجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية).

وقد التزم صندوق الاستثمارات العامة بتطوير النسبة المتبقية البالغة 70٪ من الهدف المراد الوصول له بحلول عام 2030م.

طاقة الهيدروجين


وفقًا لما صرح به وزير الطاقة، فإن المملكة تخطط لأن تصبح أكبر مصدّر لطاقة الهيدروجين. وتمتلك المملكة إمكانيات كبيرة لإنتاج الهيدروجين الأزرق من مصانع الغاز الخاصة بها، كما يمكنها إنتاج أرخص أنواع الهيدروجين الأخضر في العالم.

وفي يوليو 2020م، أعلنت شركة نيوم وشركة أكوا باور وشركة إير برودكتس عن خطط لبناء أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر، يكون تشغيله من خلال 4 جيجا واط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وينتج 650 طنًا من الهيدروجين الأخضر يوميًا لتصديره إلى الأسواق العالمية. ويقع مقر المصنع في نيوم، وهي مدينة ذكية مستقبلية تقع على طول ساحل البحر الأحمر في شمال غرب المملكة ومن المقرر أن يتم تشغيلها بحلول عام 2025م. وتهدف نيوم إلى أن تكون إمدادات الطاقة فيها بنسبة 100% عبر الطاقة المتجددة وطاقة الهيدروجين.

كما أعلنت المملكة أنها ستستخدم مشروع الغاز الطبيعي في الجافورة لإنتاج الهيدروجين الأزرق. ومشروع الجافورة هو أحد أكبر مشاريع الغاز الطبيعي في العالم، ويُقدّر أنه يحتوي على 200 تريليون قدم مكعب من الغاز. ووفقًا لوزير الطاقة فإنه سيتم استخدام جزء كبير من هذا الغاز لإنتاج الهيدروجين الأزرق. وقد ذكرت شركة النفط الوطنية في المملكة، أرامكو السعودية، أن الصادرات الضخمة من الهيدروجين الأزرق ستبدأ بعد عام 2030م على الأرجح. وفي عام 2020م صدّرت شركة أرامكو أول شحنة في العالم من الأمونيا الزرقاء، والتي تم إنتاجها عن طريق تحويل الهيدروكربونات إلى هيدروجين ثم إلى أمونيا مع التقاط الناتج الثانوي من ثاني أكسيد الكربون. وصدَّرت شركة أرامكو 40 طنًا من الأمونيا الزرقاء عالية الجودة إلى اليابان. وكذلك تستثمر شركة أرامكو في الهيدروجين الأخضر. ففي أكتوبر 2021م، وقعت شركة أرامكو مذكرة تفاهم لتطوير مشروع هيدروجين أخضر في المملكة.

وفي عام 2019م، قامت شركة أرامكو السعودية وشركة إير برودكتس ببناء أول محطة وقود هيدروجين في المملكة. ويوضّح هذا المشروع وأبحاث أخرى أجرتها مراكز بحثية مختلفة في المملكة إمكانيات الهيدروجين في قطاع النقل بالمملكة. وفي ديسمبر 2021م، أعلنت أرامكو عن تعاونها مع شركات فرنسية، ومنها صفقة مع شركة غاوسين لاستكشاف تصنيع مركبات الهيدروجين في المملكة.

الطاقة النووية


تأسست مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة في عام 2010م بهدف تطوير برنامج طموح للطاقة النووية والمتجددة. وأطلقت المملكة المشروع الوطني للطاقة الذرية في عام 2017م. ويركّز المشروع على أربع مكونات رئيسية: 1) المفاعلات النووية الكبيرة، 2) المفاعلات النووية المدمجة الصغيرة، 3) دورة الوقود النووي، 4) الإطار التشريعي والتنظيمي. وفي عام 2018م، أصدرت المملكة السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية بالمملكة العربية السعودية، ونظام الرقابة على الاستخدامات النووية والإشعاعية، ونظام المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية، وتأسست هيئة الرقابة النووية والإشعاعية كهيئة مستقلة لمراقبة الطاقة النووية والانبعاثات الإشعاعية. كما أسست المملكة الشركة السعودية القابضة للطاقة النووية ككيان قانوني مستقل لتحقيق أهداف المشروع الوطني للطاقة الذرية من خلال المشاركة والاستثمار في مشاريع مجدية اقتصاديًا محليًا ودوليًا.

وفي عام 2019م، صرحت بعثة مراجعة البنية التحتية النووية المتكاملة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها النهائي عن المملكة العربية السعودية أنه تم إحراز "تقدم كبير" في المملكة، بما في ذلك إنشاء إطار تشريعي وتطوير البنية التحتية النووية.

وتخطط المملكة لبناء مفاعلين نوويين كبيرين. وفي أواخر عام 2021م، أفادت بعض وكالات الأنباء أن مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة على وشك الإعلان عن الفائز بعرض تقديم خدمات المشورة الفنية لأول مشاريع الطاقة النووية في المملكة.

خاتمة


بينما تدرك المملكة العربية السعودية أن النفط والغاز سيستمران في لعب دور حيوي في مزيج الطاقة العالمي في العقود المقبلة، إلا إن التحول إلى مصادر أنظف للطاقة هو أمر قيد التنفيذ حول العالم، وستلعب المملكة دورًا رئيسيًا في هذا التحول. فبدلاً من أن تكون المملكة مجرد مراقب لهذا التحول، تتولى المملكة زمام المبادرة فيه، وذلك من خلال خطط جريئة وخطوات أولية، تعمل المملكة من خلالها على تنويع مزيج الطاقة لديها من خلال إضافة طاقة الهيدروجين والطاقة المتجددة والطاقة النووية إلى صناعة النفط والغاز الحالية وكذلك الاستثمار في تقنيات مبتكرة واقتصادية لإدارة الكربون. وتفتح المملكة أبواب هذه المشاريع أمام المستثمرين المحليين والأجانب؛ وهذا ما يجعل المملكة العربية السعودية سوقًا جاذبة لشركات الطاقة التي ترغب في أن تكون جزءًا من هذا التحول الكبير.